لماذا وكيف ننام ؟
لقد بدأ الباحثون يكشفون أسرار العمليات الكيميائية الحيوية التي تحدث في أجسامنا فتسلمنا للسبات. والمادة التي تسبب النعاس والنوم لم تكتشف بعد، غير أن الأبحاث جارية لمعرفة طبيعة هذه المادة.
وهناك آراء وتكهنات عديدة بالأسباب المفضية إلى النوم. فهي ترتد إلى ما قبل أيام أرسطو. وما خلص إليه معظم الناس من أفكار حول هذا الموضوع، هو أن الغرض وراء النوم هو جلب الراحة، والإستشفاء من حالة الإهتراء والتآكل التي تصيب الجسم الحي بسبب اليقظة. ولقد كان من أوسع الآراء انتشاراً بين معظم أولئك الباحثين أن هناك مادة ما تتكاثف في دماغ الكائن الحي أثناء اليقظة، حتى إذا ما بلغ تراكمها حدّاً معيناً، سببت الإحساس بالحاجة إلى النوم. وقد كان المفروض طبقاً لهذه النظرية أن تذوب تلك المادة المسببة للنوم وتتلاشى عندما ينام الإنسان. وعندما بنى أرسطو حدسه وفق خطوط التفكير هذه قال في معرض تفسيره لعملية النوم إن أبخرة دافئة تتصاعد من داخل المعدة مسببة النعاس وفي ذلك كتب يقول: «إن البخار المرافق لعملية التغذية ميال بطبيعته إلى التحرك صعداً، وإن هذا يفسر كيف أن حالات النعاس حريِّة بأن تحدث بصورة خاصة عقب تناول وجبات الطعام. كما أن النعاس يتبع أنواعاً معينة من التعب، لأن التعب يفعل فعل المذيبات، والمادة المذابة (الدافئة) تفعل فعل الطعام قبل أن يهضم.
تناقض في النظريات
لقد كان كثير من الناس يعتقد بأن الدم يسبب النعاس، إذ يضغط على الدماغ مسبباً إحتقانه. وعلى النقيض من هذه النظرية، كانت هناك نظرية شائعة أخرى تقول إن تناقض الدم الواصل إلى الدماغ، أو فقر الدم الدماغي هو الذي يجلب النعاس، وإنه عندما ينام الكائن الحي ينتقل الدم من الدماغ، ويتدفق في أجزاء أخرى من الجسم، وبشكل خاص إلى الأحشاء. وسرعان ما أدت آراء كهذه إلى قيام أفكار متضاربة حول كيفية الحصول على راحة ليلية فضلى. ومن ذلك أن بعض الأطباء في ذلك الحين قد أوصى بالنوم من دون وسادة، وذلك لتسهيل تدفق الدم إلى الرأس، والقضاء على سبب فقر الدم الدماغي، وأوصى سواهم بالإكثار من الوسائد عند النوم تحت رأس النائم، إذ إن إنهاض الرأس بهذا الشكل ينجي الدماغ من الإحتقان الدموي الضاغط.
وتناقضاً مع هذه الأفكار الفيزيولوجية، كثرت النظريات السلوكية المتصلة بالنوم، وقد كانت بدورها أيضاً كثيرة الشيوع في القرن التاسع عشر. فلقد قال بعضهم مثلاً إن انعدام المحرضات هو المسبب للنوم. وإن اليقظة ما كانت تحدث إلا إذا ظلت العضوية منشطة على الدوام فإذا انعدم الحافز المنبه نام الجسم. إن مثل هذا القول يبدو تفسيراً طيباً إذا كان القصد منه تعليل سبب نومنا ليلاً، وقيلولتنا في عصر يوم ماطر، غير أن هذا التفسير ويا للأسف لا يستقيم، لأنه يمعن في تبسيط علل النوم: إذ يستطيع الإنسان الإستغراق في النوم حتى مع وجود محرض مستمر، بينما يجافي الكرى عيون كثيرين ممن يوجدون في محيط هادىء.
وفي مطلع القرن جاء الفيزيولوجي السويسري إدوارد كلاباريد بنظرية سلوكية أخرى، رجحت على الخيال السائد في ذلك الوقت. فقد قال إن النوم ليس استجابة سلبية لانعدام الإثارة، وإنه عملية فاعلة، شأنها شأن الغريزة، وزعم أن الغرض من النوم هو منع انتشاء أجسامنا بما يتراكم فيها من نفايات أو مستهلكات. كذلك فقد جاء كلاباريد بشرح يفسر طول مدة ما تحتاج إليه أجسامنا من النوم، إذ يقول: إننا نستيقظ من النوم عندما ننال كفايتنا منه. وليس من الصعب دحض هذا القول كحقيقة بديهية، لولا أن كلاباريد كان قد أعاد طرح المفهوم القائل أن شيئاً ما يحدث فعلاً على العضوية ينتج نومها، ممهداً بذلك طريق الجيل التالي من النظريات.
مواد النوم
في بداية القرن العشرين، كانت النظرية الأوفر حظاً القائلة أن هناك مواد طبيعية تتراكم في الدماغ فتؤدي إلى النوم. وقد أطلق عليها اسم «مواد النوم». وكانت تتراوح بين مواد معروفة مثل الحمض اللبني وثاني أوكسيد الفحم، والكوليستيرول، واللوكومينات وهي أمينات سمِّيَّة تنتج من عملية الأيض الحيواني، والسموم البولية. وفي حوالي عام 1907، أحرز الباحثان الفرنسان ريفيه ليجيندر وإنري بييرون بعض التقدم في هذا الميدان، فقد قالا إنهما تمكنا من عزل مادة من السائل المخي النخاعي لكلاب مخبرية، كانت قد حرمت من النوم مدداً ترواحت بين ستة أيام وخمسة عشر يوماً. وقد دعيت تلك المادة السمية النومية، لأنها لدى حقن كلاب أخرى لم تحرم من النوم بها، استسلمت هذه للسبات.
ولقد جاءت هذه النتيجة ظهيراً وسنداً لدعوى المنادين بوجود مواد للنوم إذ دب النشاط بين أفراد مجموعات عدة للبحث، ولاسيما في ألمانيا خلال العشرين سنة التي تلت ذلك. وصدرت عنهم ادعاءات حول وجود مواد عديدة من هذا النوع، مثل شلافستوف وبروم هورمون. ولكن أيّاً منهم لم يستطع عزل مادة واحدة تستطيع بصورة دائمة التسبب في نوم العضويات. وكنتيجة للإحباط الذي شعر به أولئك العلماء من جراء عجزهم عن إحراز تقدم حقيقي، فإن اهتمامهم بأمر مواد النوم قد تلاشى في نهاية الأمر.
كما أن الباحثين تخلو تخلياً مؤقتاً عن أبحاثهم لاكتشاف مواد للنوم. وذلك في الأيام الأولى من القرن العشرين، فلم تنشطهم لمتابعة البحث أقوال الفيزيولوجيين بأنهم قد اكتشفوا من جديد آلية النوم. وهذه المرة قالوا إن «التثبيط العصبي» يسبب النوم، أي أن هناك قسماً من أقسام الدماغ يجلب النوم، وذلك بحجزه الشارات المنبعثة من الحواس وبالتالي منعه العضلات من الحركة. وقد استمد كثير من الباحثين نشاطهم من نتائج الأبحاث التي أجراها إيفان بافلوف في العشرينات من هذا القرن حول ما أطلق عليه اسم «التثبيط القشري». فقد خرج برأي يقول إن النوم ينشأ بصورة عامة من الفصيين الدماغيين إجمالاً، بحيث يكون مانعاً فاعلاً لكلا المآخذ الحسية والمخارج الحركية معاً. وارتد بافلوف إلى أفكار سابقة عندما أوضح رأيه هذا بقوله إن هذا المنع وذاك الإطلاث يحدثان جزئياً، بسبب الإستجابة للرتابة.
الإثنين أكتوبر 28, 2024 1:57 pm من طرف m.star
» حصريا المتصفح العملاق Opera 10.54 Build 3423 Final
الإثنين أكتوبر 28, 2024 1:57 pm من طرف m.star
» حصريا عملاق برامج المحادثة الغنى عن التعريف Skype 4.2.0.169 Final
الإثنين أكتوبر 28, 2024 1:57 pm من طرف m.star
» عملاق تشغيل الصوتيات Winamp 5.572 Build 2933
الإثنين أكتوبر 28, 2024 1:56 pm من طرف m.star
» قوانين منتدى نزال
الإثنين أكتوبر 28, 2024 1:55 pm من طرف m.star
» جديد حلقات علم القرآن للشيخ حسن مرعب
الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:56 pm من طرف abu almajd
» قانون تعطيل التواقيع في الاقسام الاسلاميه
الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:56 pm من طرف abu almajd
» قراءة الحائض للقرآن
الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:55 pm من طرف abu almajd
» كيفية تسوية الصف
الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:55 pm من طرف abu almajd
» الفحش والسب وبذاءة اللسان
الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:55 pm من طرف abu almajd
» نبيل العوضي - بكل صراحه - الفضائيات العربيه 1/5
الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:55 pm من طرف abu almajd
» قوانين قسم القران الكريم والسنه النبويه
الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:55 pm من طرف abu almajd
» بلغوا عني ولو آية
الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:54 pm من طرف abu almajd
» الشيخ محمد حسان مع دعاطف عبدالرشيد علي قناة الحافظ
الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:54 pm من طرف abu almajd
» تفسير القران الكريم
الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:54 pm من طرف abu almajd